في الدورة الحادية عشرة من مهرجان أفلام السعودية، التي عُقدت في مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي "إثراء"، برزت قصص نجاح لافتة لمخرجين سعوديين شقّوا طريقهم نحو المنصة بخطى ثابتة، محمّلين بشغف التجربة وإيمان عميق بأن السينما المحلية قادرة على الوصول والتأثير.
وكان ختام المهرجان مناسبة للاحتفاء بجهود الشراكات المجتمعية الذين كسروا حواجز البداية، ومن بينهم خالد زيدان وأحمد النصر، اللذان حملا راية الإبداع السينمائي، كلٌّ بطريقته الخاصة.
خالد زيدان و فيلم "ميرا ميرا ميرا"
خالد زيدان، مخرج فيلم "ميرا ميرا ميرا" الذي تلقى دعما من "إثراء" تحدّث بعد تتويجه بجائزة النخلة الذهبية لأفضل فيلم قصير، مؤكدًا لـ ET بالعربي أن العمل شكّل تحديًا على أكثر من صعيد، بدءًا من تطوير النص مع الكاتب عبد العزيز العيسى، إلى بروفات الممثلين، خاصةً أن الفيلم ينتمي إلى نوع "الواقعية السحرية"، وهو تصنيف فني يتطلب توازنًا دقيقًا بين الخيال والواقع.
قال زيدان: "الفيلم هذا كان من المشاريع اللي حسّيت إنها صعبة جدًا قبل تنفيذها، لكن الحمد لله قدرت أخرجها". ورغم الصعوبات، استطاع الفيلم أن يتواصل مع الجمهور، وهو ما وصفه زيدان بـ"الحلم اللي صار حقيقة".
ارتباطه بالفيلم جاء من خلال فكرة فقدان القدرة على التواصل، وهو إحساس شخصي نقله إلى الشاشة بحساسية واضحة.
وختم حديثه قائلًا: "جائزة مثل النخلة الذهبية مهمة جدًا بالنسبة لي كمخرج. تعني لي كثير محليًا، لكن أكيد هذا مو النهاية... إحنا نتطلع نوصل للعالم بقصص سعودية من هويتنا وثقافتنا".
واضاف: " أما الإهداء، فأكيد أهدى الجائزة لعائلتي أولًا، ثم لكاتب الفيلم، والمنتج، وكل أفراد فريق العمل والممثلين... ما أقدر أخص أحد، لأن الكل آمن فيّ، ووقف معاي من البداية وحتى لحظة التتويج."
أحمد النصر و فيلم "شرشورة"
أما أحمد النصر، فقدّم فيلمه "شرشورة"، وحصد جائزة عبد الله المحيسن للفيلم الأول، في لحظة شكّلت تتويجًا لمسيرة بدأت قبل أكثر من عقد، حين كان متطوعًا في المهرجان نفسه عام 2014.
في حديثه لـ ET بالعربي، استعاد النصر تلك الأيام قائلًا: "كنت أعمل داخل قاعات السينما لأني ما كنت أقدر أحضر العروض كمشاهد، واليوم أعتلي المنصة كمخرج".
"شرشورة" لم يكن مجرد فيلم، بل امتداد لسؤال شخصي حمله النصر طويلًا، وحوّله إلى قصة تنتهي بمشهد حاسم، يتوقف فيه البطل أمام "الباب الأخير".
ومن أكبر التحديات التي واجهها، كان إنتاج مشهد حريق ضخم بمشاركة أكثر من 50 ممثلًا، وهو ما تحقق بدعم هيئة الأفلام وجهات إنتاجية متعددة.
وختم أحمد تصريحه بإهداء هذا الفوز لعائلته، قائلًا: "أهدي الجائزة لوالدي ووالدتي، إخوتي، زوجتي، وطفلي نصر، الذي وُلد صباح يوم حفل الختام، كان عندي نصر في البيت، ونصر في المهرجان".
دور المهرجان في دعم الصناعة
كلا الفيلمين يسلّطان الضوء على أهمية الدعم المؤسسي لصناعة السينما السعودية، خصوصًا من خلال منصات مثل مهرجان أفلام السعودية، الذي لا يكتفي بمنح الجوائز، بل يحتضن المواهب ويمنحها أدوات النمو والظهور.
"إثراء"، بوصفه راعيًا للمهرجان، لعب دورًا محوريًا في توفير البيئة الملائمة لتفجّر هذه الطاقات، فالمهرجان بات مساحة لاكتشاف الذات، وعرض القصص المحلية التي تنبع من الهوية السعودية وتطمح للوصول إلى العالم.
اللحظات التي عاشها زيدان والنصر على منصة التتويج لم تكن مجرد احتفال بالإنجاز، بل كانت إعلانًا واضحًا بأن السينما السعودية دخلت مرحلة جديدة، يُصنع فيها الفن بالإرادة، ويُروى فيها الحلم بالصورة والصوت، من قاعات "إثراء" إلى قلوب المشاهدين.
شراكة نوعية بين جمعية السينما و"إثراء"
ويُعد مهرجان أفلام السعودية، الذي انطلق لأول مرة عام 2008، أحد أقدم المبادرات السينمائية في المملكة، وقد حافظ على استمراريته بوصفه منصة للتبادل الإبداعي، وتعزيز الإنتاج المحلي، ونافذة على التجارب السينمائية من مختلف أنحاء العالم. كما تُعد الدورة الـ 11 من المهرجان امتدادًا لشراكة استراتيجية تجمع المهرجان بـ"إثراء" منذ عام 2014، وأسهمت في ترسيخ مكانته ضمن خارطة السينما الخليجية والعربية.
وجاءت هذه الدورة تحت محور "سينما الهوية"، ورفعت شعار "قصصٌ تُرى وتُروى"، حيث شهدت عروضًا لأفلام محلية وعالمية وفعاليات متخصصة بصناعة السينما، إلى جانب تسليط الضوء على السينما اليابانية كضيف تركيز، ضمن سعي المهرجان لبناء جسور معرفية بين المبدعين.
دور "إثراء" في دعم صناعة الأفلام
- تطوير المشهد الثقافي:
يسهم مركز إثراء، بصفته منارة ووجهة ثقافية رئيسية، في تطوير المشهد الثقافي في المملكة، حيث يوفّر لصانعي الأفلام مرافق وموارد وبرامج إرشادية عالية المستوى، تعزز مهاراتهم في صناعة السينما العالمية. - بناء جسور من خلال السينما:
في مهرجان أفلام السعودية، يقدّم إثراء منصة ديناميكية لتبادل ثقافي ثنائي الاتجاه، حيث يجلب القصص العالمية إلى المملكة، ويمكّن صناع الأفلام المحليين من مشاركة رواياتهم مع العالم، مُعززًا بذلك التعاون والتفاهم الثقافي.