يأتي عرض فيلم "نور" في ميدان الثقافة بجدة ضمن فعاليات الدورة الخامسة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي ليضع المخرج عمر المقري في قلب حدث استثنائي، إذ يتحوّل الفيلم الوثائقي إلى مساحة تُعيد جمهور الاتحاد والسعودية إلى ذاكرة ممتلئة بالمجد، وتستحضر مسيرة لاعبٍ ارتبط اسمه بتاريخ مدينة بأكملها. حضور محمد نور إلى القاعة لم يكن لحظة مرور عابرة، بل لحظة احتفاء جماعي بأسطورة لا تزال رمزاً في الوجدان الرياضي.
محمد نور في وثائقي "نور".. عمر المقري يقدّم حكاية أسطورة تتجاوز حدود الملعب في عرض عالمي بمهرجان البحر الأحمر
عمر المقري.. مخرج يعرف كيف يلتقط نبض الجماهير
يحظى عمر المقري، المخرج والصحافي الرياضي المعروف، بإشادات واسعة ضمن المشهد السعودي بعد سلسلة أعمال وثائقية قدّم فيها مقاربة مختلفة لقصص الأبطال الرياضيين. ويؤكد في تصريحاته خلال العرض أن فيلم "نور" لم يُبنَ على تقنيات الإبهار بقدر ما اعتمد على "صدق الأرشيف"، موضحاً أن "المواد القديمة تحمل قيمتها لأنها شاهدٌ على لحظات صنعت التاريخ".
هذا النهج بدا واضحاً في طريقة بناء الفيلم، الذي تنقّل بين لقطات أرشيفية دقيقة ومشاهد تحليلية تضيء جوانب شخصية ومحطّات مفصلية من مسيرة نور. ومع كل هدف يظهر على الشاشة، كان الجمهور يصفّق وكأن المباراة تُلعب من جديد، في دليل على الروابط العاطفية العميقة التي لا تزال تجمعهم بنجمهم الأول.

استقبال جماهيري حافل.. وتصفيق لا يشبه صالات السينما
في القاعة الرئيسية، وقف الحضور فور دخول محمد نور، والتصفيق والهتافات التي حملت الرقم "18" ملأت المكان، كأنها صادرة من مدرجات ملعب الجوهرة لا من مقاعد سينما.
ووقف نور متأثراً واضعاً يده على صدره قائلاً بصوت هادئ: "الحمد لله على كل حال"، جملة بدا أنها تختصر رحلةً كاملة من صعود وانكسار، من مجدٍ لا يُنسى إلى تحدياتٍ صنعت شخصيته وقوّته.
المنتج سعد تركستاني قدّم تكريماً خاصاً لنور أمام الجمهور، في لحظة بدت كأنها امتداد لتاريخ اللاعب داخل الاتحاد، حيث ظلّت الجماهير جزءاً من قصته حتى بعد اعتزاله.

قصة صعود.. صراعات.. ووفاء مدينة لأسطورتها
يقود الفيلم مسيرة نور منذ بداياته المتواضعة في مكة، مروراً بسنوات مجده مع نادي الاتحاد التي حمل فيها الفريق إلى بطولات محلية وقارية، ووصولاً إلى مشاركته في كأس العالم 2002 و2006. لكن قوة الفيلم لا تكمن فقط في الانتصارات، بل في المراحل التي تخللتها الصعاب: الاستبعاد المتكرر من المنتخب، الصدامات الإدارية، الخلافات داخل النادي، والضغوط التي رافقت نهاية مسيرته.
وفي المقابل، تبرز واحدة من أكثر عناصر العمل تأثيراً: حضور الجماهير التي بقيت وفيّة له رغم التحديات، ليقدّم الفيلم صورة لاعب لم يكن مجرد نجم، بل رمزاً لهوية مدينة عاشته كأيقونة كروية واجتماعية.
محمد نور.. سيرة أسطورة صنعت ذاكرة جيل
محمد محمد نور آدم الحواسوي، المعروف باسم محمد نور أو "أبو نوران"، وُلد عام 1978، وكرّس معظم مسيرته لنادي الاتحاد في الدوري السعودي للمحترفين. شكّل أحد أبرز لاعبي الوسط الهجومي في تاريخ الكرة السعودية، بما يمتلكه من شخصية قيادية وكاريزما داخل الملعب. ورغم خروجه المؤقت من الاتحاد عام 2013 بسبب مشاكل إدارية ومالية، بقي بالنسبة لأهالي جدة رمزاً رياضياً يشبه مكانة مارادونا لدى جماهير نابولي. فيلم "نور" يعيد قراءة هذه الرحلة، بقممها ومنعطفاتها، وبالأثر العميق الذي ما زال يتركه اللاعب في ذاكرة عشاقه.