حوار إنساني استثنائي جمع بين محمد صلاح و مجدي يعقوب، خرج من إطار اللقاءات التقليدية إلى جلسة صادقة يتبادل فيها الطرفان الأسئلة، ويتقاطع فيها حلم طفل في قرية مصرية صغيرة مع حلم طفل آخر قرر في السابعة من عمره أن يصبح جرّاح قلب ينقذ الأرواح حول العالم.
حوار إنساني بين محمد صلاح و مجدي يعقوب يلخّص رحلة الحلم والإصرار
مجدي يعقوب.. حلم الجراحة يبدأ من سن السابعة
رحلة مجدي يعقوب بدأت من البيت، مع والده الطبيب الذي كان يشاهده وهو يساعد المرضى ويتعامل مع حالات صعبة بحب ومسؤولية، لكن اللحظة الفارقة كانت وفاة عمةٍ له بسبب حُمّى روماتيزمية في القلب، وهو لا يزال في السابعة من عمره، ليكتشف أن مرضها كان يمكن إنقاذه لو توفّرت إمكانات الجراحة في ذلك الوقت.
من هنا وُلد القرار المبكر: أن يصبح جرّاح قلب. ورغم أن والده حاول أن يثنيه عن الفكرة قائلاً له إن الجراحة "مش سهلة" وإنه قد لا يستطيع الوصول، إلا أن الاسم الذي سمعه وقتها عن جرّاح في إنجلترا يُدعى "بروك" أشعل بداخله فضولاً دفعه ليقول لنفسه: "أنا هسافر وأتدرّب وأعمل ده".
بناء مركز في أسوان كان حلماً آخر تحقّق لاحقًا، بعدما أدرك أن الأطفال الذين يأتون للقاهرة في حالات صحية حرجة يحتاجون إلى مكان قريب منهم. وهكذا تحوّلت أسوان إلى عنوان للأمل، بمركز كامل مخصص لجراحات القلب والأبحاث العلمية، يخدم أطفال مصر والمنطقة، ويُخرّج جيلاً جديداً من الأطباء الذين باتوا يقدّمون أبحاثًا وينجزون عمليات معقّدة "أحيانًا أفضل منّي" كما قال يعقوب بتواضعه المعهود.
قدواته بين لبنان والبرازيل وإنسانية العلم
في حديثه مع محمد صلاح، استعاد مجدي يعقوب أسماء شكلت وعيه العلمي والإنساني، أبرزهم العالِم الحائز جائزة نوبل سير بيتر مدوّر، ذو الجذور اللبنانية، الذي أسّس لاكتشافات زراعة الأعضاء. لم يكن يعقوب معجبًا بعلمه فقط، بل بتواضعه وفلسفته في التعامل مع الإنسان أولاً قبل المرض.
هذا النموذج رسّخ لديه فكرة أن الطب رسالة وليست مهنة، وأن الجرّاح حين يقبل حالة ميؤوساً منها يكون قد قطع وعدًا للمريض وعائلته أن يبذل كل ما يمكن لإنقاذه. ومن هنا جاءت قناعته الراسخة: "المهنة الطبية دي رسالة لخدمة الإنسانية، مش طريق للشهرة".

النجاح في نظر مجدي يعقوب : ليس شهرة بل راحة ضمير
عندما تطرّق الحوار لتعريف النجاح، كان رد مجدي يعقوب واضحًا: النجاح ليس أن تكون مشهورًا، بل أن تشعر من داخلك أنك قدّمت ما يجب تقديمه، وأنك يومًا ما عندما تنظر إلى حياتك تقول: "عملت اللي كان لازم أعمله، وبالطريقة الصح".
يعقوب تحدّث أيضًا عن التحديات التي واجهها في حياته المهنية، من العمل في مستشفيات عالمية ضخمة لا تسمح بسهولة بتغيير الأنظمة، إلى صراعات البيروقراطية عندما قرر أن يربط بين عمله الخارجي وخدمة المرضى في الداخل، لكنه ظل متمسكًا بمبدأ أساسي: الإيمان بما يفعل، وعدم التراجع أمام الشكوك أو الانتقادات، ما دام الطريق الذي يسير فيه لخدمة المرضى والبحث العلمي.
محمد صلاح.. من شوارع نجريج إلى الملاعب العالمية
في الجزء الثاني من الحوار، انتقل الحديث إلى محمد صلاح الذي استعاد طفولته في قرية نجريج بمحافظة الغربية، حيث كان كل ما يحلم به في سن السابعة والثامنة أن يلعب كرة القدم في الشارع مع أصدقائه. لم يكن يفكّر بنادٍ كبير ولا احتراف في أوروبا، كل ما كان يهمّه هو أن يعيش شغفه بالكرة.
ومع الوقت، بدأ الحلم يتطور؛ من اللعب في فريق محلي، إلى طموح الوصول للفريق الأول، ثم الخروج إلى أوروبا، حيث قرر أن يحقق "حاجة ما حدش مصري عملها قبلي في المجال ده". ومع كل خطوة، كان الحلم يكبر ويتحوّل من طموح شخصي إلى رسالة أوسع تتعلق بمنح الأمل لجيل كامل من الأطفال الذين يرون في قصته دليلاً على أن القادم من قرية صغيرة يمكن أن يصل للعالمية.
والدٌ آمن بالحلم.. وطفل خاف أن يخسر مكانه
محمد صلاح لم ينس دور والده الذي كان، كما وصفه، "الوحيد اللي صدّق فيا بجد"، فبين سفر يومي شاق من القرية إلى القاهرة، وتكاليف مواصلات، ووقت وجهد مبذول بدون ضمان مقابل واضح، اختار الأب أن يغامر من أجل حلم ابنه، بينما كانت والدته تخاف عليه من السفر وحوادث الطرق وتطلب منه أحيانًا أن يتراجع.
صلاح اعترف أيضًا بأنه كان طفلًا خجولًا، يخشى الرد على المدرب أو الدخول في مشكلات، وعندما يتعرض للتوبيخ كان يفضّل أن يدخل غرفة الملابس أو الحمام ليُخرج حزنه بعيدًا عن أعين الآخرين، حتى لا يخسر فرصته في اللعب: "يا ده يا مافيش". هذه الجملة كانت عنوانًا مكتومًا لرحلته؛ لا خطة بديلة، بل إصرار مستمر على أن تكون كرة القدم هي الطريق الوحيد.

من صدمة أوروبا إلى تغيير العقليّة
عندما انتقل محمد صلاح إلى أوروبا، واجه صدمة ثقافية كاملة: لغة مختلفة، طريقة حياة جديدة، تعامل مختلف مع الاحتراف، وضغط كبير على لاعب قادم من بيئة كروية وواقعية مغايرة تمامًا لما يجده هناك.
في مصر، كما يروي، يمكن للاعب أن ينام متأخرًا ويستيقظ متأخرًا، بينما في أوروبا تصبح كرة القدم "حياة كاملة"، بكل تفاصيلها الصارمة من تغذية ونوم وتمارين وانضباط. هذا التحوّل لم يكن سهلاً، لكنه قرر أن يغيّر طريقة تفكيره بدل أن يعود سريعًا إلى الأندية المحلية، لأن العودة المبكّرة كانت ستعني بالنسبة له الفشل وخسارة فرصة تاريخية.
النجاح عند صلاح: سعادة داخلية لا تُقاس بالشهرة
في تعريفه للنجاح، قسّم محمد صلاح الأمر إلى شقّين: نجاح مهني ونجاح شخصي. بالنسبة له، الشخص الناجح هو من يصحو من النوم راضيًا عن حياته، محاطًا بعائلته في حالة استقرار ورضا، قبل أن يكون ناجحًا في مهنته.
أما على المستوى المهني، فالنجاح عنده أن تستيقظ كل يوم وأنت متحمّس لتقوم بما تحب، دون أن يكون عدد الألقاب أو الجوائز هو معيارك الوحيد. يعترف صلاح بأنه يعرف كثيرين من المشاهير غير سعداء في حياتهم، لذلك لا يرى أن الشهرة وحدها تعني النجاح، بل الصدق مع النفس، والقدرة على الاعتراف بالخطأ داخليًا ولو لم يرك أحد.
حين يلتقي تعريف النجاح بين جرّاح وقائد منتخب
الحوار بين محمد صلاح ومجدي يعقوب أصبح في لحظة ما أشبه بتبادل اعترافات بين جيلين وتجربتين مختلفتين، لكنهما يلتقيان عند نقاط مشتركة: الإيمان بالفكرة، الاستمرار رغم الفشل، ورفض اختزال النجاح في صورة أو لقب.
مجدي يعقوب تحدث عن "تسلّق جبل الإبداع"، حيث يظن الإنسان أنه وصل إلى القمة، ليكتشف أن هناك قممًا جديدة يجب صعودها. ومحمد صلاح عبّر عن الفكرة نفسها بطريقته، حين قال إنه عندما يضع هدفًا في ذهنه لا يعرف "إزاي هيوصل"، لكنه واثق أنه سيصل، ويرى نفسه وهو يحقّق هذا الهدف قبل أن يحدث فعلاً.

رسالة مشتركة للجيل الجديد.. الشغف، الصبر، والتواضع
في ختام الحوار، قدّم كل من مجدي يعقوب ومحمد صلاح رسائل مباشرة للشباب.
يعقوب لخّص نصيحته في ثلاث كلمات أساسية: الشغف بما تفعل، الصبر على الطريق الطويل، والتواضع مهما وصلت من ألقاب ومناصب. شدّد على أن لكل إنسان موهبة خاصة، وأن دور الأهل والمجتمع أن يساعدوا الطفل في اكتشاف موهبته، لا فرض أحلامهم عليه.
محمد صلاح وجّه بدوره رسالة مزدوجة للشباب ولأولياء الأمور؛ دعا كل شاب وشابة إلى الإيمان بحلمهما حتى لو لم يستطيعا رؤية الصورة كاملة في البداية، فالإيمان والرؤية الداخلية أهم من التفاصيل التقنية في الطريق. كما ذكّر الأهل أن حياة أبنائهم ليست امتدادًا لحياتهم هم، وأن الإبداع الحقيقي يأتي عندما يختار الابن أو الابنة مجالاً يحبّه، لا مجالاً فُرض عليه.